رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك : الحاجة اصبحت ملحة لتأمين الغذاء والدواء داخليا وكورونا سيغير من مفاهيمنا و”التعاونيات” اصبحت من الأولويات
خص سعادة الدكتور سعيد بن خميس الكعبي رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك عمان بحديث حول دور الهئية والجهود المبذوله لتواكب تلك التي تبذلها المؤسسات الأخرى في الحكومة لمواجة جائحة كرونا التي تضرب العالم وليس السلطنة فقط ، واوضح سعادته خلال حديثه عدد من النقاط ، منها اسباب ارتفاع اسعار بعض السلع في الاسواق بعضها استغلالا لحاجة الناس لها كامطهرات والواقيات في بداية الازمة ، وبعضها لعدم توفرها في الاسواق العالمية ، الى جانب الحديث حول دور الهيئة في استقرار الاسعار في الاسواق وكيفية التعامل مع المتجاوزين واصدار 278 مخالفة وتلقي 403 بلاغا خلال شهر مارس ، الى جانب ضرورة تقييم مؤسسات المجتمع المدني لعضد الجهات الحكومية في تخطي مثل هذه الظروف واهمية ايجاد صناديق للشركات تسندها وقت الازمات ، وكذا من الضرورة اعادة ترتيب الأولويات التي ستغير مفاهيمنا في المرحلة المقبلة الى اتجاهات اخرى ، كما انه اصبحت من الأهمية ان تكون الجمعيات التعاونية على راس الاولويات المقبلة ، وتطرق ايضا الى نقاط اخرى في الحديث التالي .
* أوجدت الحالة الصحية التي اجتاحت العالم ولم تسلم منها السلطنة حالة استثنائية … كيف تنظرون لذلك ؟
- كورونا ليس حالة عادية أو مجرد كارثة عالمية ، بل هو شيء أعظم من ذلك فحتى في أوج الحروب العالمية لم يحدث أن يبقى نصف سكان الكرة الأرضية مأسورين في بيوتهم قيد الإقامة الجبرية ، فهو أخطر فيروس منذ انتشار الانفلونزا الاسبانية التي قتلت أكثر من 50 مليون إنسان في العالم عام 1918 في أعقاب الحرب العالمية الأولى، إنها حرب كما أعلنها الكثير من زعماء العالم ليس فيها مكان للأسلحة التقليدية من طائرات ودبابات وقاذفات وراجمات ومدمرات وغواصات وغيرها ، حرب أغلقت دور العبادة في كل أنحاء العالم وجعلت الميادين والمعالم الشهيرة في العالم على عروشها خاوية وألقت بظلالها الكئيبة على كل ما حولنا وغيرت طبائع البشر وسلوكياتهم ، حرب أنزلت الكتائب والفيالق والألوية من الجنود إلى الشوارع في الكثير من مدن وعواصم العالم ليساهموا في تنظيم ملايين البشر وفرض حضر التجول ، فمنذ ظهور الفيروس في الصين منذ 4 أشهر وهنالك خريطة جديدة للعالم تتشكل في ظل صدمة عظيمة هزت كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ، لقد أغلقت الكثير من الدول حدودها ، وتوقفت كل مظاهر النشاطات الانسانية والاجتماعات والحفلات والمباريات ، حتى الزواج والوفاة أصبح لا يتم إلا بحضور عدد محدود من البشر ، ولأول مرة في التاريخ لم يحتمِ البشر بدور العبادة لتحميهم بل هربوا منها وأحتموا ببيوتهم ترقبا لبارقة أمل باكتشاف لقاح لهذا الفيروس الذي غير حياة البشر على سطح الكرة الأرضية كلها .
اسباب وراء ارتفاع الاسعار
* ما هو وضع اسعار السلع الغذائية .. ما هي الاسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاعها ؟ وهل سيكون هنالك ارتفاع في بلدان المصدر او شح في البضائع مما يؤدي الى الاستغلال التجاري ؟
- كما هو المعلوم أصبحت مراكز التسوق والتي تضم بين جنباتها عدد ضخم من السلع والمنتجات المتنوعة والتي تغطي كل أوجه الحياة وتحقق مختلف الاحتياجات البشرية ، المقصد الرئيسي للتسوق للغالبية العظمى من الناس ، وقد انتشرت هذه المراكز في مختلف ولايات السلطنة ، والحمد لله رب العالمين لدى الهيئة قاعدة بيانات تضم ملايين السلع لمعظم هذه المراكز التجارية في مختلف محافظات وبالتالي فأي رفع في أي سلعة بها يتم رصده واتخاذ الاجراءات القانونية حياله ، ولكن هنالك أنواع من السلع تتولى عمليات الاشراف عليها جهات حكومية أخرى من لحظة الزراعة أو الانتاج أو التوريد أو غيرها مثل الخضروات والفواكه والأسماك وهذه تشرف عليها وزارة الزراعة والثروة السمكية وهنالك تنسيق تام مع الوزارة فيما يختص بأسعارها في سوق الموالح المركزي حيث تتولى الوزارة رصد الأسعار والتحقق من حقيقة الوضع العالمي للمنتجات وإعداد قائمة دورية بأسعارها وتقوم الهيئة بالمراقبة على أساس تلك القائمة ، وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة لا يتقبلها البعض ولكن في النهاية هي واقع نعيشه وهي أن معظم سلع السوق سلع مستوردة من الخارج وقد باتت الدول تنكفي على نفسها ومنعت العديد من الدول تصدير المنتجات ، كما أن عمليات التوريد أصبحت صعبة بسبب ارتفاع كلفة النقل والتأمين ، وبالتالي أصبح هنالك تنافس على الغذاء ومع استمرار الأزمة فمن المتوقع أن تحصل مزايدات كبيرة على مصادر الغذاء واتجاه دول إلى الانغلاق التام على الذات بهدف توفير الاكتفاء لشعوبها ، حيث يعتبر تحقيق الإكتفاء الذاتي خصوصا في الغذاء والدواء هو الحصن الحقيقي ضد الأزمات ، والكل يذكر ما تسببت به الأزمة المالية العالمية عام 2008م خصوصا في قطاع الغذاء وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والأدوية ، وقد عانت الكثير من الدول التي تعتمد على الخارج في استيراد هذه المواد نظرا للتنافسية الكبيرة عليها والمزايدات التي حدثت على السلع الغذائية ، وتسعى الحكومة بكل الوسائل المتاحة من خلال المؤسسات المعنية إلى ضمان الكميات اللازمة من الاحتياجات المختلفة والحفاظ على معدلات أسعار مناسبة تراعي حاجة المجتمع ككل والظروف الإقتصادية للسكان ، ولو تأملنا في واقع الأزمة الحالية على المستوى العالمي لوجدنا قطاعات اقتصادية تأثرت وانهارت بسبب الأزمة وفي المقابل نهضت واستفادت قطاعات أخرى .
وهنا تبرز الحاجة الماسة إلى توجيه التركيز نحو الاهتمام بتوفير الغذاء والدواء داخليا ووضع خطط وطنية قصيرة المدى وليست طويلة المدى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتحقيق الفائض الذي يصدر للخارج في مجالات متعددة من المنتجات.
الاسعار حافظت على استقرارها
* ما هو دور الهيئة في ابقاء الاسعار في متناول الايدي حتى لا تتضاعف معاناة الناس ؟
- نحن في السلطنة ولله الحمد نعيش في دولة مؤسسات وقانون ، وقد سبق للأسواق المحلية أن مرت بتجارب صعبة عديدة من الأعاصير الطبيعية التي ضربت البلاد وحزم القرارات التي رفعت الرسوم والرواتب خلال السنوات الماضية ومع ذلك حافظت أسعار السلع على استقرارها نتيجة وجود قاعدة بيانات متكاملة لأسعار ملايين السلع والمنتجات في مختلف المراكز التجارية وبالتالي فالجميع على معرفة تامة بأن أي رفع لتلك الأسعار هو أمر مخالف للقانون ، والهيئة تعمل على توفير مراقبين على فترتين صباحية ومسائية رغم المعاناة الكبيرة نظرا لقلة عدد مأموري الضبط القضائي الذين لا يتجاوز عددهم 150 مفتش وأخصائي ضبط في الوردية على فترتين صباحية ومسائية ينتشرون على عموم محافظات السلطنة من مسندم إلى ظفار لتغطية ما لا يقل عن 220 ألف نشاط تجاري حسب بيانات المركز الوطني للمعلومات والاحصاء ، وهذا الأمر له صعوباته التي يعوضها عزيمة الشباب وحرصهم على أداء مهامهم بكل أمانة واخلاص خدمة لوطنهم ومجتمعهم الذي يعقد عليهم آمالا كبيرة .
278 مخالفه منذ كرونا على المتجاوزين
* كيف تعاملت الهيئة مع المتلاعبين بالاسعار خاصة أولئك الذين استغلوا الأيام الأولى من الأزمة ورفعوا أسعار الكمامات والمطهرات وخاصة الصيدليات ؟
- الهيئة تعمل في ظل إجراءات قانونية وضعها المشرع ، وقد اتخذت الهيئة أقصى إجراءاتها في هذا الاطار فأصدرت أكثر من 278 مخالفة وأغلقت صيدليتين بالتنسيق مع الجهات المختصة وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن العقوبة التي أقرها قانون حماية المستهلك لمخالفة رفع السعر هي عقوبة في حقيقتها غرامة إدارية لا تمثل رادع حقيقي لتجار الأزمات والمخالفين فهنالك فرق كبير بين أولئك التجار الملتزمين بهامش ربح معقول وهم كثر وأولئك الذين يستغلون الأزمات والمضاربين بأقوات وحاجات الناس والمتلاعبين بجودة السلع وسلامتها على صحة الفرد وعائلته، فهؤلاء هم من تستهدفهم العقوبات وهؤلاء في الحقيقة هم وبال على المجتمع كله والعقوبات لا تستهدف التجار الملتزمين والذين يقفون صفا واحدا مع المجتمع ككل من خلال تقيدهم بالأنظمة ومراعاة المصداقية والشفافية في التعامل ، وقد طالبت الهيئة بتشديد العقوبة ولكن تبقى للمشرع والسلطة التشريعية تقديراتها ، أما ما يتعلق بالكمامات والمعقمات الطبية فلها وضعية خاصة نتيجة ما أصاب العالم من جائحة جعلت من الكمامة والمعقم أكثر الأسلحة قدرة على مواجهة هذا الوباء في نظر الناس في مختلف دول العالم ، وبالتالي التدافع المحموم على شرائها عالميا مما أوجد شح كبير في مختلف الأسواق العالمية ، وباتت معظم الأسواق العالمية تطلبها وهو أمر أدى ببعض الشركات والأفراد محليا إلى سحب كميات كبيرة منها وإعادة تصديرها إلى دول تطلبها بأسعار عالية جدا ، وهو أمر كان له انعكاساته السلبية على حجم المعروض منها ، كما أن الطلب العالمي عليها رفع من أسعارها في جميع الدول بلا أي استثناء ، ولا يزال الطلب عالي جدا وقد أقرت وزارة الصحة آلية معينة لتسعير الكمامات تعطي للمورد نسبة 15% عند إعادة بيعه لتجار التجزئة ومنها يتم إضافة 15% على سعر السلعة لتصل للمستهلك بنسبة 30% على سعر الاستيراد والذي يتم التحقق منه من خلال أوراق الاستيراد وكذلك أوراق التخليص الجمركي ، والسعي إلى تحقيق سعر عادل للجميع .
اسواق اكثر اتزاتنا ومصداقية
*هل استطاعت الهيئة أن توجد حالة من التوازن بين العرض والطلب في الاسواق وتضبط إيقاع الأسعار بالذات ، وهل دورها لوحده يكفي ؟
- حالة التوازن هذه أوجدتها الهيئة منذ سنوات وقد أصبحت قاعدة يسير عليها الجميع من المزودين ، فالكل على علم بأسلوب عمل الهيئة وحرصها على تطبيق القانون دون أي تهاون ، وبالتالي أصبحت الأغلبية العظمى أكثر التزاما وتعاونا في هذا الجانب ، وبالتالي فرغم كل الظروف التي مرت بها الأسواق المحلية سواء من الكوارث الطبيعية أو الأعاصير أو رفع الدعم عن الوقود وغيره من الرسوم لم تنعكس ارتفاعا على أسعار السلع بل حافظت معظم السلع على استقرارها وثبات أسعارها ، ومن المؤكد في المقابل أن تعاون الجهات القضائية كان له دوره الأبرز في هذا الجانب سواء الإدعاء العام أو المحاكم ، وكذلك تعاون المزودين والمستهلكين في ذات الوقت ، فقد بات المستهلك هو خط الدفاع الأول عن حقوقه فأصبح أكثر وعيا وحرصا على اتباع العادات الاستهلاكية الرشيدة ، كما أنه أصبح الشريك الحقيقي للهيئة من خلال الابلاغ عن أي ممارسات سلبية أو رفع للاسعار يتبين له ، مما أوجد أسواقا أكثر اتزانا ومصداقية .
شراكة تكاملية
* إلى أي مدى تتعاون الهيئة مع الجهات الأخرى من الأطراف المعنية في الأزمة الصحية ؟
- الهيئة جزء لا يتجزأ من المنظومة الحكومية التي تضع خدمة المواطن والمقيم هدفا لا مناص من تحقيقه ، وبالتالي وفي إطار توجيهات اللجنة العليا تعمل الهيئة على تكامل الجهود مع بقية الجهات خصوصا تلك المرتبطة بالأسواق كوزارةالصحة ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة والثروة السمكية ووزارة البلديات والبلديات الأخرى وكذلك شرطة عمان السلطانية والادعاء العام وكل الجهات الحكومية ذات العلاقة وفق توجيهات اللجنة العليا ، وهنالك تناغم في الأداء بما يخدم المصلحة العامة ويحقق التكامل المنشود .
403 بلاغا خلال مارس
* هل من احصائية للعقوبات التي اتخذتها الهيئة خلال الاسابيع الماضية للحد من استغلال الأزمة ؟
- تلقت الهيئة خلال هذا الشهر قرابة 403 بلاغا تم التعامل معها بصورة فاعلة وفي المقابل أصدرت قرابة 278 مخالفة في مختلف الممارسات تنوعت بين رفع الأسعار وعدم وضع السعر واختلاف السعر بين الرف والمحاسب وهو أمر وجب على المستهلك أن ينتبه له ، حيث يقوم بعض ضعاف النفوس بتغيير سعر السلعة على الكاونتر ولكن وعي المستهلك ومراجعته لفواتير الشراء يضمن مكافحة هذه الممارسات ، ونظرا لما قامت به الهيئة طوال سنوات عملها من حرص على التطبيق الصارم للقانون ساعد على انضباط السوق ومحدودية عدد المخالفات مقارنة بعدد المحلات والمراكز التجارية التي تجاوزت 200الف في عموم السلطنة وبات الجميع على دراية بأهمية الالتزام بتطبيق التشريعات والقوانين .
تقيم اداء مؤسسات المجتمع المدني
* ما المطلوب من مؤسسات المجتمع المدني لتعضد دور الهيئة في هذا الوقت بالذات ؟
- لقد فاق تأثير فيروس كورونا كما يقول البعض تأثير الحرب العالمية الثانية على الحياة العامة في العمق والشمول ، ولقد أوجد الفيروس صدمة سياسية واقتصادية واجتماعية عالمية قد تتسبب في عواقب وخيمة على المدى البعيد ، وانكشفت الكثير من الأمور وخصوصا في الدول المتقدمة ، ولا زالت هنالك صدمات نفسية تتزايد يوما بعد يوم على المستوى الاجتماعي في بعض الدول نتيجة الممارسات التي حدثت وهو أمر يستدعي دورا بناء لمؤسسات المجتمع المدني دعما للجهود الحكومية في مواجهة هذا الفيروس ، فالدورالحكومي لوحده لا يكفي بدون شراكة مجتمعية حقيقية ، ولكم أن تقيموا واقع الأدوار التي أدتها مؤسسات المجتمع المدني في السلطنة كل في مجاله ، وهنا أتمنى أن تكون هنالك مراجعة وتقييم حقيقي لواقع تلك المؤسسات لتحقيق الأهداف السامية من وراء إنشائها ووجودها على ارض الواقع ، وتوفير الظروف والتشريعات اللازمة لإنطلاقها بصورة تتوافق مع معطيات الحاجة الماسة إلى تكامل الأدوار بين جميع أطياف المجتمع ، وبحيث يكون للمجتمع المدني مشاركته الفاعلة في عمليات التنمية الشاملة .
التوعية ضرورة للمجتمع
*هل ترون أن التوعية التي تركزت في الفترة الأخيرة استطاعت أن توجد وعيا لدى المواطن ؟
- بالنسبة لنا في الهيئة الإمكانات المتاحة للتوعية والاعلام محدودة جدا منذ سنوات ، مقارنة بما هو مطلوب في مجال توعية المجتمع بمختلف شرائحه من نساء ورجال وشباب وأطفال ومواطنين ووافدين وتجار ومستهلكين في مختلف مناحي الحياة ، وبالتالي فإن ما يتم إنجازه هو بجهود ذاتية بحته ، وجهود التوعية والتثقيف دائما يمكن قياسها بمدى انعكاسها على سلوكيات الأفراد لتصبح واقعا معايشا يقوم كل فرد بتطبيقه والالتزام به ، اما التوعية من المؤسسات المختصة فاعتقد انها استطاعت ان تقدم جرعات مهمة في تنوير المجتمع من خطورة كورونا وكان لها تأثير بالغ في ذلك .
ترتيب الاولويات بعد تغيير المفاهيم
* ما هي النتائج التي يمكن أن تخرج بها الهيئة من هذه الجائحة والتي ستعيد ترتيب اولوياتنا من الاحتياج الغذائي ؟
- هذه الجائحة لا تقاس نتائجها بما تخرج به هيئة أو مؤسسة ، فهي كارثة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، حيث يؤسس هذا الفيروس اللامرئي لنظريات ومباديء العزلة الحقيقية بعد أن اعتقد الجميع أن العالم أصبح قرية صغيرة وتقاربت فيه المسافات إذا بنا بين ليلة وضحاها نجد أن الجار والقريب أصبح بعيدا لا يمكن الوصول اليه بحكم الحاجة إلى الحجر والتباعد الاجتماعي ، كما أن الدول أغلقت حدودها بل وصل الأمر إلى أن بعض الدول أغلقت الحدود بين الأقاليم في داخل الدولة الواحدة ، وكما يذهب بعض المفكرين في العالم إلى القول بأن جائحة الفيروس هي القشة التي قصمت ظهر البعير للعولة الاقتصادية ، حيث أجبر الحكومات والدول والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها الذاتية على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية ، وتؤكد الكثير من مراكز البحوث والدراسات أن هذه الأزمة تبرز معها مؤشرات قوية على أزمة اقتصادية طاحنة متوقعة تفوق في قوتها ما حدث في عام 1929 وسمي بالكساد العظيم أو حدث في عام 2008م ، فمع اجتياح الفيروس لمختلف أرجاء الكرة الأرضية تهاوت البورصات العالمية وأسواق المال ، وخسر الناس أموالا كثيرة فكل شيء شبه مغلق في كافة القطاعات سواء السياحة وفنادقها الخالية أو قطاع الطيران الذي بدأ الكثير من الشركات يعلن الإفلاس وتسريح موظفيه أو القطاعات الخدمية الكبرى وبدأت الحكومات والجامعات والمدارس والشركات تمارس العمل عن بعد، وهو ما يؤسس لنوع جديد من التعاملات الانسانية التي تعتمد على الانتاجية دون الحاجة إلى التواجد في مكان واحد مما سيؤدي بانعكاسات خطيرة على الحاجات الفعلية لأعداد كبيرة من البشر ، وقد باتت الدول المعتمدة على الإيرادات السياحية تواجه ضررًا اقتصاديا ضخمًا ، وأصبحت الدول التي تعتمد على نظام التجارة الدولية وسلاسل التوريد واللوجستيات وإعادة التصدير تواجه أفقا غامضًا في المستقبل القريب ، وساهم إغلاق المطارات والموانئ في بعض البلدان في تعميق الشلل الاقتصادي وتأثر اقتصاديات تلك الدول ، وقد توقعت الأمم المتحدة أن يفقد 25 مليون إنسان وظائفهم في جميع أنحاء العالم .
وهذا الأمر سيتوقف على نوعية وقوة الشركات القادرة على الاستمرار في ظل مبيعات شبه متوقفة في مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية ، وهو ما يؤكد على أهمية وجود صناديق الاحتياطي في كل مؤسسة ناجحة بحيث تذهب نسبة من الدخل العام للشركة إلى هذا الصندوق بنسبة معينة ويتم تنميتها لتكون الرافد والعون لكل أنشطة الشركة وعامليها في أوقات الأزمات .
ففيروس كورونا هو فيروس اقتصادي بالدرجة الأولى ، وبالتالي فالحاجة ماسة من وجهة نظري الشخصية إلى الاستفادة من ذلك والتوجه إلى وضع الخطط قصيرة المدى لبناء منظومة وطنية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والحاجة ماسة إلى مراجعة أولوية القطاعات التي يجب التركيز عليها خلال المرحلة القصيرة المقبلة بحيث تكون الزراعة والثروة السمكية والحيوانية وكذلك قطاع التعدين على رأس الأولويات وتأتي فيما بعدها قطاعات كنا نعتقد أنها هي المحرك الرئيسي كالسياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية ، بالإضافة إلى الممكنات الداعمة وهي (قطاع التشغيل وسوق العمل، وقطاع المالية والتمويل المبتكر) فهنالك توجهات عالمية بدأت تتضح معالمها من خلال الحديث عن مفهوم الدولة القومية وتحول معظم الحكومات إلى الداخل ، والتركيز على ما تمتلكه من إمكانيات داخل حدودها والتحرك الدولي نحو تحقيق الإكتفاء الذاتي في مختلف المجالات ، ونحن على ثقة من أن العهد الجديد لهذا الوطن قادر على تجاوز هذه المرحلة والانتقال إلى مرحلة أكثر رخاء وتطورا بإذن الله تعالى بفضل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد حفظه الله ورعاه … التعاونيات تأتي في الأولويات.
* الا ترى انه في حالة وجود الجمعيات التعاونية سيكون لها دور اكثر تطمينا من غيرها في مثل هذه الظروف ؟
- في عام 2011م صدرت توجيهات سامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه بدراسة إنشاء الجمعيات التعاونية ورغم مرور السنوات لا زالت هذه الفكرة غير حاضرة في واقعنا الاقتصادي العماني ، ورغم ما تؤكده كل أدبيات الاقتصاد العالمية عن نجاح هذه التجربة في كل دول العالم حتى أن الأمم المتحدة خصصت عام 2012م عاما للاحتفال بالتعاونيات تقديرا من كل دول العالم لهذه المؤسسات الفاعلة في المجتمع العالمي ، وكان الهدف من هذا الاختيار هو زيادة وعى الرأي العام بالإسهامات الكبيرة للتعاونيات في مجالات خفض معدلات الفقر وإيجاد فرص العمل وتحقيق التكامل الاجتماعي وكذلك تسليط الضوء على مظاهر قوة التعاونيات كنموذج بديل للعمل الاقتصادي ولدفع التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، تضم التعاونيات في العالم أكثر من مليار عضو مساهم ، وتوفِّر نحو 100 مليون فرصة عمل ، وتجاوزت عائداتها في السنوات الأخيرة تريليون يورو، ووفرت سبل المعيشة لنحو 3 مليارات نسمة في شتى أنحاء العالم ، فهل هناك ما هو أبلغ من لغة الأرقام في إثبات الحقائق ، كما أنه في أوروبا تمكنت التعاونيات المالية وغيرها من التغلُّب على الأزمة الاقتصادية لعامي 2008-2009 بجدارة فاقت نظيراتها من المؤسسات المالية … ويكفي للتدليل على أهمية التعاونيات النظر في واحد من أكثر الاقتصادات العالمية استقرارا وهو في سويسرا والتي تعتبر واحدة من أكثر بلدان العالم آمانا للمستثمرين وأصحاب رؤؤس الأموال ، ولديها أعلى معدلات الدخل الفردي في العالم مع نسبة منخفضة جدا من الباحثين عن عمل نجد أن عدد التعاونيات فيها يزيد على 9600 تعاونية مختلفة ، من بينها نحو 500 تعاونية تجاوز حجم مبيعاتها مليار فرنك سويسري ، ومن أشهر التعاونيات وأكبرها حجمًا هناك «ميغرو» و«كوب»، عملاقي التجزئة وبيع المواد الاستهلاكية في البلاد ، وبنك «رايفايزن»، والمؤسسة السويسرية للسفريات «ريكا» ، وتعاونية النقل «كار شيرنغ موبيليتي».
ومن وجهة نظري تستحق التعاونيات أن تكون على رأس اولويات المرحلة المقبلة وتستحق أن يتوفر لها المناخ التنظيمي والتشريعي الذي يضمن نجاحها ، لأن ظروف اليوم تختلف عن ظروف الأمس مما يستدعي التعجيل في إيجاد هذا النوع من النشاط الاقتصادي والذي يتميز عن غيره من أنماط الاستثمار المختلفة أن هدفه لا يكون تحقيق أكبر ربح ممكن ولا يضع ذلك على رأس قائمة أولوياتها ، ولكن لابد من تهيئة المناخ لنجاح هذا النشاط بعد أن تغولت مراكز التسويق ومتاجر التجزئة والمملوكة في معظمها لوافدين في مختلف المحافظات وأصبحت المنافسة صعبة جدا ولكن بالحكمة والارادة والتشجيع والدعم يمكن أن تفسح هذه الجمعيات لنفسها مكانا تحت ضوء الشمس وتسهم بشكل كبير في القضاء على ظاهرة التجارة المستترة وتساعد على تدوير رأس المال في الداخل بدلا من تلك المليارات التي يفقدها الاقتصاد الوطني سنويا وتخرج إلى اقتصاديات الدول الأخرى .
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}