الكتاب الذي زلزل أركان البيت الأبيض .. هل اقتربت ساعة "ترامب"؟
قلة قليلة جدًا من الكتب التي تناولت السياسة الأمريكية استطاعت سرقة الأضواء لتحتل صدارة نشرات الأخبار وعناوين الصحف في الولايات المتحدة والعالم، وآخرها هو كتاب "نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض" الذي تم التعجيل بإصداره قبل الموعد المقرر بأربعة أيام بسبب تهديدات من البيت الأبيض باتخاذ إجراءات قانونية تحول دون نشره.
بمجرد صدوره، حصل الكتاب الذي يقول مؤلفه الصحفي المخضرم "مايكل وولف" إنه استند إلى أكثر من 200 مقابلة مع "ترامب" وموظفيه على مدار 18 شهرًا، على اهتمام إعلامي وشعبي غير مسبوق، وأصبح مادة ثمينة لوسائل الإعلام الأمريكية، وتدافع الناس أمام متاجر الكتب للحصول على نسختهم منه.
الكتاب يروي الكثير من التفاصيل المحرجة للرئيس الأمريكي وعائلته وأعضاء إدارته، فعلى سبيل المثال لا الحصر يكشف عن الطريقة الحقيقية التي ينظر بها موظفو البيت الأبيض إلى "ترامب"، وما الذي ألهمه فكرة التنصت عليه من قبل سلفه "باراك أوباما"، والسبب الحقيقي الذي دفعه لإقالة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي "جيمس كومي".
وهذه مقطتفات من الكتاب الذي أصبح موضوع الساعة:
لم يعتقد للحظة أنه بإمكانه أن يصبح رئيسا الولايات المتحدة
- حتى مساء الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لا مديرة الحملة الانتخابية "كيليان كونواي" ولا صهره "جاريد كوشنر" ولا "ترامب" نفسه اعتقدوا أن هناك إمكانية لفوز الأخير أمام "هيلاري كلينتون". فالبنسبة لهم جميعًا الأمر كان أشبه برهان خاسر، كما أن "ترامب" نفسه لم يرغب في أن يكون الرئيس، وكل من حوله يعتقدون أنه لا يجب أن يكون كذلك.
- لكن إذا لم يكن يرغب في الرئاسة لماذا دخل السباق من الأساس؟ "ترامب" لم يكن هدفه أبدًا الفوز بالمنصب، وكل ما ابتغاه هو الأضواء المحيطة بالسباق الرئاسي، ففي مقابلة مع مساعده "سام نونبرج" في بداية السباق الرئاسي قال له ترامب "يمكنني أن أكون الرجل الأكثر شهرة في العالم".
- كان "ترامب" يتذكر مقولة صديقه "روجر أيلز" الرئيس السابق لشبكة فوكس نيوز: "إذا أردت شق طريقك في مجال التلفزيون عليك أولًا أن تترشح للرئاسة". وقبل أسبوع من الانتخابات قال "ترامب" لـ"أيلز": "هذا أكبر مما حلمت به، أنا لا أخشى من الخسارة لأنه حتى لو خسرنا فقد فزنا تمامًا"
- بعد الثامنة من مساء ليلة الانتخابات، بدأت المؤشرات تتحرك في الاتجاه الذي لم يتوقعه كثيرون. "ترامب" يمكنه أن يفوز فعلًا، وبعد ساعات قليلة أصبح الأمر شبه مؤكد، وأخيرًا حسم الأمر "ترامب رئيسًا للولايات المتحدة".
- يقول ابنه الأكبر "دونالد ترامب الابن" إن والده بدا كما لو أنه رأى شبحًا، وسيطر عليه الرعب، أما زوجته "ميلانيا" فقد أجهشت بالبكاء، ولكن دموعها لم تكن دموع فرح.
"بليد وأحمق" .. هكذا يراه المقربون منه
- بعد توليه الرئاسة، كثيرًا ما أشارت وسائل الإعلام إلى أن قطب الإعلام الشهير "روبرت مردوخ" يهاتف "ترامب" لتقديم النصح له. ولكن في جلساته الخاصة كان "مردوخ" يواصل السخرية من ترامب بشكل مدهش. فبحسب "وولف" وصف "مردوخ" "ترامب" بالأبله السخيف عقب محادثة هاتفية بينهما حول قرار تشديد نظام التأشيرات مع عدد من الدول.
- كما أشار "وولف" إلى أن الوزراء الأمريكيين لديهم آراء مماثلة حول الرئيس، فعلى سبيل المثال، يقول وزير الخارجية "ريكس تيلرسون" إن ترامب "بليد عقليًا"، أما "جاري كوهن" رئيس المجلس الوطني الاقتصادي يعتقد أن ترامب "شخص غبي"، بينما يراه مستشار الأمن القومي على أنه "أحمق ميؤوس منه".
- أما بالنسبة لكبير مستشاري الرئيس للشؤون الإستراتيجية السابق "ستيف بانون"، فيرى أن "ترامب" فقد عقله، والطريف أن هذا هو ذات الوصف الذي أطلقه "ترامب" على "بانون" أربعاء الأسبوع الماضي (الثالث من يناير / كانون الثاني) حين نشرت "الجارديان" مقتطفات من الكتاب.
لا يقرأ بتاتا أي شيء .. ومساعدوه محبطون
- هذا ربما هو الجزء الأكثر خطورة في الكتاب، والذي يتناول طريقة تعاطي "ترامب" مع مهامه الرئاسية. فعلى عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين جاء "ترامب" إلى السلطة ولم يكن في ذهنه رؤية محددة لما يريد إنجازه في الشؤون العالمية.
- كتب "وولف": "لم يعرف مستشاروه ما إذا كان "انعزاليًا" أو " محبذًا للتسلط العسكري"، أم أنه لا يستطيع التمييز بين الاثنين". ونتيجة ذلك، هي الصورة التي ظهرت عليها السياسة الأمريكية منذ توليه منصبه، والتي طغت عليها شخصية "ترامب" أكثر من أي شيء آخر، واتسمت بالعشوائية وعدم الاتساق في كثير من الأحيان.
- من الصعب تصور شخص أقل ملاءمة لاتخاذ قرارات حول السياسة الخارجية من "ترامب" الذي وصفه "وولف" في كتابه.
- بحسب "وولف" لاحظ مساعدو الرئيس في البيت الأبيض أن "ترامب" بعد فترة وجيزة من توليه لمنصبه أهمل قراءة التقارير الموجزة التي تأتيه بصفة دورية، لأنه مل منها واعتقد أن جميعها متشابهة، وأصبح يثق في تجربته الخاصة أكثر من أي شيء آخر، حتى لو كانت تجاربه تافهة أو غير ذات صلة.
- نقل "وولف" نص رسالة كتبها رئيس المجلس الوطني الاقتصادي "جاري كوهن" قال فيها الأخير: "الأمر أسوأ مما يمكن أن نتخيله. إنه أبله محاط بمهرجين. ترامب لا يقرأ أبدا أي شيء، وحتى ولو كان تقريرا من صفحة واحدة، ولا أية إحاطات موجزة، بل إنه أحيانًا ينهي مباحثات مع قادة عالميين في منتصف الاجتماع لمجرد أنه متعب".
- مساعده السابق "سام نونبرج" يتذكر محاولته شرح الدستور لـ"ترامب" أثناء الحملة قائلًا: " قبل أن أصل إلى التعديل الرابع فقد ترامب تركيزه وشعر بالملل وبدأ في شد شفتيه بأحد أصابعه، ودارت عيناه".
- "ترامب" لا يرغب في معرفة الكثير من المعلومات عن أي بلد أو أي صراع. وصرح لمقربين منه عقب اجتماعه لأول مرة مع مستشاره للأمن القومي الجنرال "هربرت مكماستر" أن الأخير ممل جدًا، بسبب أن إحاطاته مليئة بالمعلومات الجافة حول النقاط العالمية الساخنة.
- أشار "وولف" إلى أنه بعد حوالي 6 أسابيع من توليه لمنصبه هدد "ترامب" بإقالة "مكماستر" لكونه مملًا.
"بانون": الاجتماع المشبوه مع الروس "خيانة"
- قال "ستيف بانون" لمؤلف الكتاب، إنه يعتقد أن الاجتماع الذي عقد في يونيو/تموز 2016 ببرج ترامب وضم "دونالد ترامب الابن" وصهر الرئيس "جاريد كوشنر" ورئيس الحملة "بول مانافورت" ومحاميا على علاقة بالكرملين ادعى أن لديه معلومات حساسة حول "هيلاري كلينتون" كان يجب أن يتم الإبلاغ عنه فورًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
- يقول "بانون": اعتقد الثلاثة الكبار في الحملة أن الجلوس مع ممثل عن حكومة أجنبية في قاعة المؤتمرات في الطابق الخامس والعشرين ببرج "ترامب" دون وجود محامين هي فكرة جيدة" ويتابع قائلًا :حتى لو كنتم تعتقدون أن هذا لا يمثل خيانة أو عملا غير وطني، رغم أنني أعتقد أنه كذلك، كان يجب عليكم إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي على الفور".
- يعتقد "بانون" أن "دونالد الابن" لم يطلع فقط والده على ما دار في الاجتماع، وإنما قدمه كذلك للمشاركين به، وأن احتمال أنه لم يخبر والده الذي يقع مكتبه في الطابق السادس والعشرين بالاجتماع هو صفر.
- يتوقع "بانون" أن التحقيقات الفيدرالية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية والتي يقودها المستشار الخاص "روبرت مولر" ستتمكن عاجلًا أو آجلًا من حصار نجل الرئيس في الزاوية، وعلى حد تعبيره "سيحطمونه كالبيضة".
ثلاث شاشات تلفاز في غرفة نومه.. ويخاف من أن يموت مسمومًا
- في أيامه الأولى بالبيت الأبيض، أمر "ترامب" بإحضار شاشتي تلفزيون إضافة لواحدة كانت موجودة بالفعل في غرفة نومه، كما اعتاد أن يغلق باب الغرفة عليه من الداخل، وهو الأمر الذي أغضب جهاز الخدمة السرية المسؤول عن حمايته، والذي أصر على ضرورة إتاحة الوصول إلى الغرفة في أي لحظة.
- وبخ "ترامب" المسؤولين عن التنظيف لقيام أحدهم بالتقاط قميص كان قد رماه على الأرض قائلًا "إذا كان قميصي على الأرض، فذلك لأنني أريده على الأرض". كما قام بفرض مجموعة من القواعد الجديدة من بينها: لا أحد يلمس أي شيء وخصوصًا فرشاة أسنانه.
- حب "ترامب" للوجبات السريعة له سبب لا يعرفه الكثيرون، فبحسب "وولف" يخشى ترامب منذ فترة طويلة من التسمم، وهذا أحد الأسباب التي تقف وراء حبه لوجبات "ماكدونالدز"، لأنه لا أحد في المطعم كان يعتقد أنه قادم، وبالتالي لم تسنح الفرصة لهم بتسميم الطعام.
- إذا لم يكن لديه اجتماع مع "ستيف بانون"، يذهب "ترامب" في السادسة والنصف مساء إلى سريره، ويتناول "برجر بالجبنة" ويشاهد شاشات التلفاز الثلاثة، ويبدأ في إجراء مكالمات هاتفية مع مجموعة محددة من أصدقائه. كان الهاتف هو نقطة اتصاله الحقيقية مع العالم.
كيف خرج قرار حظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية؟
- في يوم الجمعة الموافق السابع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2017، أي بعد سبعة أيام فقط من توليه منصب الرئاسة، أصدر "ترامب" أمرًا تنفيذيًا يقضي بحظر دخول مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة "سوريا، العراق، الصومال، السودان، إيران، اليمن، وليبيا" إلى الولايات المتحدة.
- هذا القرار كان مفاجئًا لكامل أعضاء الحكومة الفيدرالية تقريبًا، ولم يسمع به أحد قبل صدوره، ولكن "بانون" نجح في إقناع "ترامب" بإصدار الأمر التنفيذي الذي يغير سياسات الهجرة الأمريكية رأسًا على عقب، متجاوزًا حتى الوكالات الفيدرالية والموظفين المسؤولين عن تنفيذ ذلك القرار.
- كانت النتيجة عبارة عن خليط من الرعب والسخط ساد في أوساط المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة، لتبدأ موجة من الاحتجاجات تركزت أمام المطارات، أما الحكومة التي تفاجأت بالقرار كالعامة، اتسمت ردود أفعالها بالارتباك.
- في البيت الأبيض، هرع مساعدو الرئيس وأفراد من عائلته قائلين له: ماذا فعلت؟ يجب عليك التراجع عن هذا! لقد انتهيت قبل أن تبدأ حتى! ولكن "بانون" في المقابل كان سعيدًا وراضيًا بما حدث، وبالتالي لم يتراجع الرئيس.
إقالة كومي .. وغسل الأموال
- هناك جزء من الكتاب ربما يهم الرأي العام الأمريكي أكثر من أي شيء آخر، وهو ملابسات إقالة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق "جيمس كومي" في مايو/أيار الماضي.
- بحسب "وولف" كان السبب الوحيد الذي دفع "ترامب" لاتخاذ قرار الإقالة على عجل هو غضبه من قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بفتح تحقيقات استمر نطاقها في التوسع حول التورط الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية.
- كان "ترامب" وعائلته يشعرون بالقلق إزاء ما قد يكتشفه الـ"إف بي آي" حول مصادر أموالهم، ويرغبون في أن يلغى التحقيق على الفور. "الأمر يتعلق بغسل الأموال" هكذا أخبر "بانون" مؤلف الكتاب.
- في التاسع من مايو/أيار الماضي وتحت تأثير ضغط استمر لأسابيع من "كوشنر" و"إيفانكا" اتخذ "ترامب" قراره دون أن يشرك فيه أيا من مساعديه تقريبًا. وعلم معظم موظفي البيت الأبيض به من "فوكس نيوز".
- بداية من الضربة الجوية التي استهدفت أحد المطارات السورية ومرورًا بتفجير "أم القنابل" في أفغانستان ووصولًا إلى تصعيده المستمر مع كوريا الشمالية، يدير "ترامب" الأمر بذات الطريقة التي أدار بها إقالة "كومي". يتجاهل حقائق الوضع ويتخذ قرارات تؤثر عليها إما مشاعره أو علاقاته، ثم يفشل في إدراك عواقبها حتى بعد اتخاذها.
- يشير "وولف" إلى أن الجزء الأكثر رعبًا في شخصية الرئيس هو أنه غير قادر نفسيًا على إدراك عواقب أفعاله، فعندما يقوم مثلًا بتهديد كوريا الشمالية، هو يفعل ذلك دون أن يرهق نفسه بالتفكير في كيفية تأثر البشر بأفعاله.
دولة فلسطينية .. ورأي "كسينجر" فيما يحدث
- يقول "وولف" إن "ستيف بانون" أراد أن يقتل مستقبل أي فكرة تتحدث حول إقامة دولة فلسطينية، وذلك من خلال القيام بإعطاء أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الأردن ومصر، كما كان الحال قبل عام 1967.
- في عشاء جمعه بالرئيس السابق لشبكة "فوكس نيوز" في يناير/كانون الثاني 2017، شرح "بانون" للأول خطته لإنهاء الأزمة الفلسطينية قائلًا: "لندع الأردن يأخذ الضفة الغربية، ومصر تأخذ قطاع غزة، ولنتركهما يتعاملان مع الوضع، أو يغرقان بينما يحاولان التعامل معه".
- نسب "وولف" إلى "بانون" قوله: في اليوم الأول سوف نقوم بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. بنيامين نتنياهو موافق، وكذلك الملياردير ومالك الكازينوهات المؤيد للكيان الصهيوني "شيلدون أديلسون".
- في حديثه لـ"مايكل وولف" والذي أورده في كتابه، قال "هنري كسينجر" وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي للرئيسين "ريتشارد نيكسون" و"جيرالد فورد": إن ما يجري في البيت الأبيض هو حرب بين اليهود وغير اليهود.
- أغلب الظن هو أن "كسينجر" قصد بتصريحه الصراع الذي ظل دائرًا لفترة بين "ستيف بانون" من جهة، واليهود من عائلة "ترامب" – ابنته "إيفانكا" وزوجها "جاريد كوشنر" – من جهة أخرى.
هل ينهي هذا الكتاب رئاسة "ترامب"؟
- في حديثه لراديو "بي بي سي" قال مؤلف الكتاب "مايكل وولف" إن كتابه الذي تناول السنة الأولى من حكم "ترامب" سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش رئاسته، مؤكدًا على أن التفاصيل التي كشفها الكتاب ستستقر في الوعي العام وستؤدي إلى نهاية ولايته.
- أضاف "وولف" أن الاستنتاج الذي يستطيع أن يتوصل إليه بسهولة كل من يقرأ هذا الكتاب، هو أن "ترامب" لا يمكنه الاضطلاع بمسؤولياته كرئيس للولايات المتحدة.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}