إلى هذا الحد! .. لماذا تسيطر مخاوف سرقة التكنولوجيا على توجهات أمريكا الاستثمارية؟
فى العادة نسمع عن أخبار تتحدث عن فرض الحكومات قيوداً على الاستثمارات الأجنبية وعمليات الدمج والاستحواذ التى تنفذها شركات دولية داخل أراضيها، وهو أمر طبيعي وقانوني يحق لأي دولة ذات سيادة أن تقوم به وكل دولة لها معاييرها الخاصة في قبول أو رفض الاستثمارات الأجنبية.
أسباب قد تدعو الحكومات لتعطيل الصفقات:
- الإضرار بالتنافسية وتعزيز الاحتكار.
- فساد يحوم حول الصفقة.
- تداخل المصالح بين القطاع الخاص والقطاع العام.
- المنتج الجديد يكون ضاراً بالمجتمع.
- الاشتباه فى غسل الأموال.
لكن توجد أسباب جديدة ظهرت فى السنوات الأخيرة مرتبطة بالأمن القومي للدولة ومصالحها العليا، وصار هذا المصطلح متكررا بكثرة مؤخراً، وتنقسم هذه الأسباب إلى مجموعتين أولهما قديمة والثانية مستجدة:
- رفض الاستثمار الأجنبي الوارد إلى الدولة من الخارج لدواعي الأمن القومي.
- رفض الاستثمار الأجنبي الصادر من الدولة إلى الخارج لدواعي الأمن القومي.
النوع الأول قد يكون مألوفاً لك بعض الشيء، أن ترفض دولة (أ) استحواذ شركة من جنسية الدولة (ب) على شركة من شركات الأولى لدواعي الأمن القومي، لكن فى الشهور الأخيرة ظهر اتجاه جديد يتحدث عن ضرورة منع الشركات الوطنية من الخروج والاستثمار فى الخارج دون تنسيق مع الجهات الحكومية المعنية بشؤون الأمن القومي.
حافظت الولايات المتحدة تاريخياً على موقف مُنفتح ومرحب بالاستثمار الأجنبي، سواء بالداخل أو بالخارج. ومع مرور الوقت، تراجع كثيراً هذا الموقف في ضوء المخاوف المتزايدة بشأن الأمن القومي، على الجانب الداخلي، أو وضع نظام للرقابة على الاستثمارات الأجنبية الواردة من الخارج إلى الداخل الأمريكي، يوجد نظام موجود بالفعل هو: لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS)، التي تستعرض الاستثمارات الواردة ويمكن أن توصي الرئيس برفضها إذا كانت تهدد الأمن القومي.
لكن فيما يخص الجانب الخارجي أو وضع نظام للرقابة على الاستثمارات الأمريكية فى الخارج، تم تحديث نظام CFIUS في عام 2018 من خلال قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي (FIRRMA).
من يقف وراء الاتجاه الجديد؟
الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، الذي قدمت إدارته القانون الجديد لوضع القيود على الصادرات في فبراير 2018.
نص القانون فى سطر:
يمنح مشروع القانون الرئيس سلطة مراقبة تصدير وإعادة تصدير ونقل المواد التى تشمل (السلع الأساسية أو البرمجيات أو التكنولوجيا)، سواء من قبل أشخاص أمريكيين (بما في ذلك الشركات) أو من قبل أشخاص أجانب، أينما كانوا لحماية الأمن القومي الأمريكي.
أكبر 10 دول تستثمر بالخارج في 2020 |
|
الترتيب |
الدولة |
1 |
الصين |
2 |
لوكسمبورج |
3 |
اليابان |
4 |
هونج كونج |
5 |
الولايات المتحدة |
6 |
كندا |
7 |
فرنسا |
8 |
ألمانيا |
9 |
كوريا الجنوبية |
10 |
سنغافورة |
جدير بالذكر أنه ومع تصاعد وتيرة الحرب الاقتصادية الأمريكية – الصينية، بدأت مخاوف الأمن القومي تمتد إلى الاستثمارات الخارجة من الولايات المتحدة، هذا الاتجاه الجديد في الرقابة على الأموال والتقنية مفاده أنه مثلما يمكن للاستثمار الأجنبي الوارد إلى الداخل الأمريكي أن يؤدي لنقل التكنولوجيا الحيوية إلى خصم من خلال استحواذ شركة أجنبية (صينية مثلا) على شركة أخرى أمريكية وبالتالي تستولي قانوناً على التقنية وتكنولوجيا التصنيع، فإن الاستثمار الصادر أو الخارج من الولايات المتحدة يمكن أن يكون له نفس النتيجة.
فعلى سبيل المثال، قد تقرر شركة أمريكية الاستحواذ أو الاندماج والشراكة على مصنع قائم أو بناء مصنع جديد في دولة ما (مثلا روسيا)، ومن أجل تشغيل ذلك المصنع، ستنقل التكنولوجيا الحيوية والتقنية الأمريكية المتطورة إليه وبالتالي تكون هذه الدولة (أي روسيا) قد حصلت بالفعل على التكنولوجيا الأمريكية على أراضيها مثلما يمكن أن تحصل عليها لو استثمرت بداخل الولايات المتحدة.
في النهاية وجدت الإدارة الأمريكية أنه من المنطقي استخدام القانون للسيطرة على التكنولوجيا أكثر من المال. أولاً، لأن التكنولوجيا هي التي تهم. ثانياً، لأن هناك بالفعل نظاما قائما في الحكومة الأمريكية بالنسبة للرقابة على الأموال، وبالتالي من المنطقي أن يتم إنشاء نظام جديد للرقابة على التكنولوجيا.
وهذا يعني أنه إذا قررت شركة أمريكية الاستثمار في شركة بالخارج فقد تفعل ذلك من الناحية المالية ولا تواجه عقبات، ولكن إذا أرادت نقل التكنولوجيا إلى تلك الشركة، يجب عليها المرور أولاً من أروقة الحكومة الفيدرالية والحصول على ترخيص من وزارة التجارة.
الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر والوارد – الولايات المتحدة الأمريكية (حتى 2020 - بالمليار دولار) |
|||
الاستثمار الأجنبي الوارد |
الاستثمار الأجنبي الصادر |
||
إجمالي التدفقات التراكمية حتى 2020 |
التدفقات فى 2020 فقط |
إجمالي التدفقات التراكمية حتى 2020 |
التدفقات فى 2020 فقط |
4,630 |
187 |
6,150 |
244 |
إدارة بايدن تستخدم الاتجاه الجديد بكثافة
مستشار الرئيس "جو بايدن" للأمن القومي، "جيك سوليفان"، فتح القضية في تصريحات أدلى بها في القمة العالمية للتكنولوجيا الناشئة للجنة الأمن القومي المعنية بالذكاء الاصطناعي في 13 يوليو الماضي وقال:
"إننا ننظر في تأثير تدفقات الاستثمارات الأمريكية الصادرة التي يمكن أن تتحايل على ضوابط التصدير أو تعزز القدرة التكنولوجية لمنافسينا بطرق تضر بأمننا القومي".
فى يونيو الماضي أصدر الرئيس "بايدن" أمراً تنفيذياً بحظر الاستثمار فى 59 شركة صينية أو مقرها الصين أو مرتبطة بعلاقات غير مباشرة بالحكومة الصينية فى مجالات الدفاع والمراقبة والاستخبارات والمعلومات.
إلا أن هذا القرار يندرج تحت النوع الأول وهو حظر تقليدي، لكن الاتجاه الجديد المتمثل فى منع نقل التكنولوجيا بدأ فى ديسمبر الماضي، حين قرر الرئيس السابق "ترامب"عبر إدارة التجارة الفيدرالية إدراج نحو 60 كيانا صينيا فى قائمة الممنوعين من تصدير ونقل التكنولوجيا أو برمجيات متقدمة من أي شركة من شركات الولايات المتحدة إلى الخارج أو التعامل مع أي كيان أمريكي عام وخاص يؤدي إلى تصدير أو نقل تقنية أو برمجيات، فى قطاعات بعينها هي:
- قطاع أشباه الموصلات.
- قطاع بناء السفن.
- قطاع الطائرات دون طيار.
- قطاع الأدوية.
- قطاع التكنولوجيا الصحية.
- قطاع التكنولوجيا الحيوية.
- قطاع الذكاء الصناعي.
- قطاع الفضاء.
التوزيع الجغرافي للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من والصادرة إلى الولايات المتحدة (تراكمياً حتى 2020 - بالمليار دولار) |
||
المنطقة الجغرافية |
التدفقات الواردة |
التدفقات الصادرة |
أوروبا |
2,946 |
3,660 |
آسيا والمحيط الهادئ |
914 |
969 |
كندا |
490 |
422 |
أمريكا اللاتينية والمتبقي من دول النصف الغربي للأرض |
222 |
962 |
الشرق الأوسط |
42 |
90 |
أفريقيا |
9.0 |
47 |
الإجمالي |
4,630 |
6,150 |
ليست الولايات المتحدة فقط
اتحاد الغرف التجارية الأوروبية فى الصين أجرى مسحاً في 2019 توصل من خلاله إلى أن نسبة مسؤولي الشركات الأوروبية الذين تعرضوا للضغط من الحكومة الصينية لنقل التكنولوجيا الأوروبية إلى الصين وإلا سوف يطردون من السوق؛ وصلت إلى 20% من الـ 585 مسؤولا المستطلعة آراؤهم صعوداً من 10% فقط فى 2017، وكأنت أكثر القطاعات التى تعرضت لهذه الضعوط شركات البتروكيماويات الأوروبية.
ما يعني أنه أصبح الاتجاه الطبيعي الجديد فى الصين ومطرد الاتساع، والمثير للانتباه أيضاً؛ أن الحكومة الصينية تكافئ الشركات الخاصة التى تستطيع جذب الشركات الأجنبية إلى السوق الصيني وتنجح فى أن تتفق معها على توطين التكنولوجيا.
تقول "شارلوت رول" نائبة رئيس الاتحاد: "هذه القضية سبب رئيسي لدفع التوتر بين الصين وشركائها التجاريين، وإنهاؤها يجب أن يكون أولوية قصوى للحكومة الصينية، إذا كانت هذه الشركات لديها حقاً مثل هذه المخاوف، آمل أن تتمكن من تقديم أدلة ملموسة، وإذا كانت شواغلهم مشروعة وقائمة على الحقائق، فيمكن معالجتها بالكامل، لأن لدينا سياسة واضحة بهذا الشأن ولكن من دون أي دليل، لا يمكنك اختراع ذلك من فراغ".
على الرغم من تعليق المتحدث باسم الخارجية الصينية "لو كانج" لصحيفة "وول ستريت جورنال" الذي قال: قوانين الاستثمار الأجنبي فى بلادنا تنص على أنه لا يوجد أي إجراءات قانونية يمكن اتخاذها لإجبار الشركات على نقل التكنولوجيا".
نسبة من شعروا بأنهم مضطرون إلى نقل التكنولوجيا من الشركات الأوروبية العاملة داخل الصين من إجمالي الشركات المستطلعة آراؤهم: |
|
القطاع |
النسبة من إجمالي المستطلعة آراؤهم |
البتروكيماويات |
%30 |
الأجهزة الطبية |
%28 |
الأدوية |
%27 |
السيارات |
%21 |
كل القطاعات |
%20 |
غياب التوضيح والدقة
بالعودة للولايات المتحدة، سؤال مهم يدور في أوساط السوق ومراكز الأبحاث هذه الفترة هو: ما هو "الأمن القومي"؟ وكيف تعرف الشركة أنها قد انتهكت قواعد "الأمن القومي"؟.
هذا السؤال أثار جدلاً واسعاً، فالرقابة على الاستثمار الأمريكي الصادر إلى خارج البلاد يتطلب جمع البيانات عن المعاملات كافة لكل الشركات، وهذا يعني، إعطاء الحكومة سلطة منع المعاملات غير القانونية والتى تضر الأمن القومي من وجهة نظرها.
وإذا كانت الحكومة ستقوم بمراجعة المعاملات وربما منعها، فإنه سيتعين على الشركات الإبلاغ عنها مسبقا، لكن كيف يعرفون ما يجب الإبلاغ عنه؟! سيكون رد الحكومة هو أن يبلًغوا عن المعاملات التي يمكن أن تهدد الأمن القومي الأمريكي، وهو ما سيكون رداً غير مفيد وضبابيا بشكل جسيم، وعندما يتم الضغط على الحكومة لتكون أكثر تحديداً، قد تحدد الجهات الفيدرالية بعض التقنيات أو القطاعات التي تنطوي على مشاكل، ولكن من المرجح أن تتضمن بنداً يقول "أي شيء آخر نعتقد أنه مشكلة ولكن لا يمكننا تحديده الآن".
وفي غياب التوضيح، هناك تطوراين متناقضان:
بعض المستثمرين سوف يرضخون للنظام الجديد، وبالتالي يكون هناك أطنان من المعاملات للشركات الأمريكية المستثمرة خارج الولايات المتحدة التى ينطبق عليها تعريف "مشكلة للأمن القومي" أو لا ينطبق بدافع من حذرهم لأنهم خائفون أن يتجاوزوا القانون الأمر الذي من شأنه أن يثقل كاهل النظام.
وقف كافة الاستثمارات من جانب المستثمرين كارهي المخاطر والبيروقراطية الحكومية وعدم التوضيح، إلى أن يتم توضيح مفهوم "الأمن القومي" وتسهيل آليات العمل بالنظام الجديد.
وهكذا تكون النتيجة الأكثر احتمالاً فى السنوات المقبلة: انخفاض الاستثمار الأمريكي فى الخارج، حيث يتمسك المستثمرون بأموالهم حتى تنقشع الغيوم، ويبدو أن أوروبا ستكون على الطريق قريبا، انخفاض أو تدهور الاستثمار الأمريكي/الغربي حول العالم سيقلل بالفعل من خطر نقل التكنولوجيا المتقدمة لمنافسي وخصوم "واشنطن" و"بروكسل".
ولكن ذلك يبطئ أيضا النمو والانتعاش الاقتصادي الضروري أثناء التعافي من آثار الجائحة، أما الخطر الأكبر فيتمثل في فقدان "واشنطن" أحد أهم أسلحتها فى الساحة الدولية (السلاح الاستثماري) وترك مساحات خاوية لصالح منافسيها إلى حين إصلاح وتطوير نظام الرقابة على الاستثمار ونقل التقنية، لذا فهو خبر سعيد للصين وحلفائها.
المصادر: أرقام – البيت الأبيض – مكتب التجارة الفيدرالي – وول ستريت جورنال – مركز أبحاث csis – وزارة الخارجية الأمريكية – الكونجرس – مؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة – بلومبرغ – سوث تشاينا بوست – مكتب التحليلات الإقتصادية الفيدرالي – واشنطن بوست.
تعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}